ثورة إحتجاجيّة معيشيّة في وجه أحزاب طائفية بِلا إيديولوجية،فما هو المطلوب كي تصل الثورة إلى بر الأمان؟!

12:00
28-10-2019
أميرة عباس
ثورة إحتجاجيّة معيشيّة في وجه أحزاب طائفية بِلا إيديولوجية،فما هو المطلوب كي تصل الثورة إلى بر الأمان؟!

لبنان ينتفض ويثور منذ ليل السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر لغاية هذا اليوم، لكن يكمن السؤال راهناً حول كيفية نجاح هذه الثورة ووصولها إلى بر الأمان مع تحقيق المطالب المرجوّة، لذلك سنقوم هنا بإستعراض بعض النقاط التفصيلية الهامّة في هذا الإطار.

ما هي عناصر الثورة في مفهوم علم السياسة؟

في البداية وللأمانة، نود التنويه بأنّ علم السياسة وعلم الإجتماع السياسي لا يصف ما يحصل في لبنان اليوم بأنّه ثورة إنّما هو عبارة عن حراك شعبي مطلبي عفوي إذ أنّ العلم المذكور يُقِر بضرورة توافر ثلاث عوامل أو عناصر لحصول ثورة ألا وهي: تحرّك الشعب، توفّر منظومة جديدة بديلة عن الحالية، وجود قيادة لهذا التحرّك. لكن إن أردنا توصيف ما يحصل في الشارع اللبناني اليوم فَرَض علينا توصيفه بالثورة لأنّه تخطّى الحدود المناطقية من ناحية والقيود الحزبية من ناحية أُخرى، وهذا ما تشهده البلاد للمرة الأولى تحت راية العلم اللبناني.

ما هو ملخّص مطالب الثورة اللبنانية؟

سمعنا ونسمع كثيراً عن مطالب الشارع اللبناني اليوم والتي تتمثّل بالشعارات التي يُنادي بها المتظاهرون اللبنانيّون أبرزها الشعار الذي تنقّل بين ثورات الربيع العربي ألا وهو "الشعب يريد إسقاط النظام" (وإسقاط النظام يختلف عن إسقاط الحكومة فقط) مع مطالب لتحقيق الإصلاحات نُلخّصها بمطلب تحسين الظروف المعيشيّة على كافة الأصعدة.

مطالب الثورة في مواجهة ثغرات الدستور اللبناني والديمقراطية المُقنّعة!

لا بد من توضيح عدّة جوانب لمعرفة مدى قدرتنا على تحقيق مطالب الثورة مع كيفية إسقاط هذا النظام عبر تغييره. في بادئ الأمر، نشير إلى أنّ نظام لبنان السياسي هو نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي بحيث توزّع المناصب الأساسية بنسب محدّدة بين الطوائف المختلفة وهو قائم على مبدأ الفصل في السلطات الثلاث (التشريعية أي مجلس النواب، التنفيذية أي مجلس الوزراء والقضائية ). بدوره، يكفل الدستور اللبناني للشعب اللبناني المساواة وحرية التعبير والحرية الدينية ويصون لهم ممتلكاتهم الخاصة ويعطي الفرصة للبنانيين بتغيير الحكم بالطرق الديمقراطية إذ يختار الشعب ممثّليه، أي النواب، عن طريق الإقتراع السري مرة كل أربع سنوات. ثمّ يقوم البرلمان أي مجلس النواب، بإختيار رئيس للجمهورية كل ست سنوات لفترة رئاسية واحدة لا تُمدّد. بعدها، يقوم رئيس الجمهورية بتسمية رئيس لمجلس الوزراء بعد استشارة النواب آخذاً رأيهم بشكل الزامي. كما يسمح القانون بقيام الأحزاب السياسية.

لكن لا يخفى على أحد أنّ هذا النظام اللبناني لا يُطبَّق بالشكل الدستوري السليم منذ سنوات عديدة لاسيّما بعد إقرار إتفاق الطائف عام 1989 مع إنتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، إذ أنّ الممارسات الديمقراطية في لبنان تُعد من نوع الديمقراطية المُقنّعة لأنّها مقيّدة بالزعامات الطائفية السياسية أكثر من كوْنها حزبية، فالحزب يجب أن يقوم على مفهوم عقائدي يُسمّى إيديولوجية التي صاغها لأوّل مرة كونت دو تراسي خلال عصر التنوير الفرنسي، وهي تعني فكرة منطقية يؤمن بها مجموعة من الأفراد كي تصبح نظاماً شاملاً على الصعيد السياسي، الإقتصادي والإجتماعي، وهذا ما تفتقده الأحزاب اللبنانية، لذلك لا تتوفّر الديمقراطية الحقيقية على أرض الواقع في لبنان والدليل الأكبر على هذا الأمر هو توريث السلطة لذات السياسيين على مرور السنوات عن طريق المبدأ الإنتخابي "المُسيَس" لمصالحهم، وهذا يُنافي مبدأ الديمقراطية الحرّة!

من جانب آخر، تنص الفقرة "ج" من مقدّمة الدستور اللبناني على أنّ "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني يقتضي العمل لتحقيقه وفق خطة مرحليّة"، ثمّ تمّ تعديل المادة 95 من الدستور من خلال فقرتيْن:

الفقرة الأولى: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية.... ".

الفقرة الثانية: "تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويُعتمد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأي طائفة مع التقيد بمبدأي الإختصاص والكفاءة".

أما لناحية تطبيق ما ورد في النص الدستوري فلا نجد له أي أثر على أرض الواقع ما يُعتبَر خرقاً واضحاً للدستور خاصة مع عدم تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، لكن هناك ثغرة وردت في الدستور ألا وهي ذكر مصطلح "خطة مرحلية" و"مرحلة إنتقالية" لحين إلغاء الطائفية السياسية وهذا ما يحمل معنى "فضفاض" للتهرّب المُتعمَّد من تطبيقه، وهنا لا بد من طرح التساؤل التالي:"ألا تستطيع السلطة السياسية إعتبار ما يجري اليوم في الشارع اللبناني بمثابة مرحلة إنتقالية لوضع خطة مرحلية من أجل تغيير النظام القائم والبت بإلغاء الطائفية السياسية؟!".

كيف تستطيع هذه الثورة تحقيق النجاح المرجو؟

كي نصل إلى جواب شافٍ للسؤال المطروح هنا يجب علينا أن نتعلّم من تجارب الدول الأخرى دون أن نغفل عن كوْن تركيبة المجتمع اللبناني مختلفة ومغايرة لتركيبة أي مجتمع آخر، ففي حين شهدت سائر الدول على ثورة ضد نظام معيّن أو رئيس حاكم محدّد، نرى اللبنانيّون يواجهون ويتمرّدون على زعماء الطوائف الدينية-السياسية بأكملهم، ومن هنا يكمن إختلاف تركيبة مجتمعنا عن باقي المجتمعات وبالتالي إختلاف الثورة أو الحراك الشعبي.

أما بالنسبة لضمانة نجاح هذه الثورة، فلا بد من توفّر العديد من الشروط أو العناصر المتكاملة أبرزها: تحديد المطالب وهنا ننوّه بأنّ المطالب الإحتجاجية المعيشية التي يُنادي بها المتظاهرون لا تَرِد فقط على ألْسنة البُسطاء والفقراء إنّما من كافة الطبقات والفئات حتى الميْسورة منها بسبب الغلاء المعيشي والفساد المتفشّي، ثمّ تحديد أولويات هذه المطالب، مع حل البرلمان وعدم الإكتفاء بإسقاط الحكومة، ووضع قانون إنتخابي جديد على أساس الدائرة الإنتخابية الواحدة، إلى جانب إجراء انتخابات مُبكِرة، والشرط الهام لنجاح الثورة أيضاً هو عدم السماح بِسفك الدماء مع ضرورة التحلّي بقدر كافٍ من الوعي لتفهّم الطرف الآخر وعدم الإنجراف وراء إنقسام الشارع.

في الختام، نُقِرّ بأنّ ما يشهده بلد الأرز اليوم هو مشهد مفصلي مع مرحلة إنتقالية قوامها صوت الشعب، فالحراك الشعبي اليوم هو وسيلة لتحقيق غاية الغايات ألا وهو تحسين النظام اللبناني على كافة الأصعدة: سياسياً، إقتصادياً وإجتماعياً، وذلك على أمل الوصول إلى بر الأمان...