"منتصف الليل في بيرا بالاس": فانتازيا تركية تجمع الحب،التاريخ والسياسة في قالب درامي مختلف

12:00
19-03-2022
أميرة عباس
"منتصف الليل في بيرا بالاس": فانتازيا تركية تجمع الحب،التاريخ والسياسة في قالب درامي مختلف

بعيدًا عن القصص "الكليشيه" التي نشاهدها في معظم أعمال الدراما التركية بين حكايا الحب أو التاريخ العثماني أو الدراما العائلية الإجتماعية، يقدّم مسلسل Pera Palas'ta Gece Yarısı (منتصف الليل في بيرا بالاس) دراما مختلفة تمزج بين الحب، التاريخ والسياسة في عمل يندرج تحت خانة الفانتازيا. وهو يحقق نسبة مشاهدة عالية عبر نتفلكس خلال الأسابيع المنصرمة.

العودة في الزمن إلى عام مفصلي في التاريخ التركي!

تنطلق القصة مع الصحافية إسرا (الممثلة التركية هازال كايا) الشغوفة بالعمل الإعلامي والتي لديها فضولاً كبيرًا لمعرفة أدق التفاصيل في أي مهمة تتولى التحقيق الصحفي فيها، تطلب منها رئيسة التحرير كتابة مقال حول الفندق الشهير "بيرا بالاس" لتتفاجأ بطلة المسلسل خلال قضاء ليلتها الأولى في هذا الفندق بأنها عادت في الزمن إلى الوراء وتحديدًا للعام 1919، لتحمل بعدها على عاتقها مسؤولية كل الأحداث التي ستجري بما لها تأثير كبير على تاريخ تركيا الحديث، فهذا العام كان مفصليًا للبلد المذكور حيث قامت خلاله ما يُعرف بإسم حرب الإستقلال على يد مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

 

حب الناس والأوطان!

يحافظ المسلسل على عنصر التشويق الدرامي منذ حلقته الأولى مع مسار تصاعدي وصولًا لذروة الحدث المتمثّلة بسعي البطلة لمنع كل الأحداث التي قد تضر بمؤسس الدولة التركية مع محاولتها إفشال خطة إغتياله، وذلك بمساعدة بعض الشخصيات الدرامية المُساندة للبطلة (أحمد وهو مدير الفندق، رشاد وهو الضابط الذي يحبّها من طرف واحد، وخالد الشاب الطموح والمُقاوِم سرًّا الذي تقع في غرامه).

من خلال هذه الحبكة، يمر بنا المسلسل بعدة خطوط درامية إذ يعالج الحب بمفهوميْه حب المرأة والرجل وحب الوطن: البطلة التي تعاني من رهاب الإرتباط ولم تجد الحب سوى في زمن غير الزمن الذي تعيشه حينما وقعت في حب خالد بمحض الصدفة، وحب الوطن الذي قد يجعل المرء يضحّي لأبعد الحدود من أجل إستقلال بلده، وفي مقابل ذلك هناك الخائن الذي يتآمر ضد وطنه وأبنائه من أجل المال.

أيضاً يعالج المسلسل مسألة القدر، وكيف يستطيع الإنسان تغيير قدر حياته بأكملها في حال عاد به الزمن إلى الوراء وبدّل قراراته واختياراته، فبالرغم من أنّ عالم الدراما السينمائية والتلفزيونية شهد على عدد من الأعمال المتمحورة حول فكرة "آلة الزمن" والعودة للماضي إلّا أنّ هذا العمل عالج هذه الفكرة من زاوية درامية مختلفة.

 

أيضًا من الشخصيات اللافتة في هذا العمل، نرى البيلاروسية صونيا وهي التي تجسّد دور المواطن الذي أنهكته الحرب وحرمته أبسط حقوقه، وهذا ما يتجلّى في المشهد الذي تقول فيه بحرقة وألم:"الحرب جعلتني أفقد وطني وعائلتي... شعور عدم الإنتماء لأي شيء صعب جداً"، لتعكس بذلك مدى بشاعة الحروب بين البلدان وأهمية تعزيز الأمن والأمان والسلام.

 

النهاية بآفاق مفتوحة لموسم ثاني

ولم يتوانَ العمل عن جذب المُشاهِد لغاية حلقته الثامنة والأخيرة التي مهّدت لموسم ثاني من خلال محاولة البطلة في العودة إلى وقتنا الراهن لكنها تتفاجأ بأنها عادت إلى سنة 1995 أي عام ولادتها لتبدأ بعدها رحلة البحث عن جذورها إذ أنها ترعرعت في ميتم ولا تدرك هوية ذويها، وهكذا يحمل المسلسل رسالة إضافية تكمن في ضرورة التمسّك بجذور الإنسان وماضيه فلولاه لما كان ولن يكون له حاضر ومستقبل.

من جانب آخر، لا بد من التنويه بالإبهار البصري والسمعي الذي إتّسم به هذا المسلسل، إذ يجعل المُتلقّي يعيش هذه الحقبة الزمنية بالفعل من خلال الديكورات، الألوان والملابس والاكسسوارات. وهذا ما استطاع تقديمه صنّاع العمل بإحتراف وإتقان تُحسب لكل من المؤلّف إليف عثمان والمخرج إمري شاهين.

المسلسل بإسقاطات سياسية غير خفيّة!

ولا نستطيع الحديث عن هذا العمل دون الإشارة إلى توقيت عرضه بالتزامن مع الوضع الداخلي راهناً في تركيا حيث يواجه الرئيس التركي الحالي رجب طيّب أردوغان المعارضة قبل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي العام المقبل، فالمسلسل يُمجِّد مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك صاحب الفكر العلماني وهو المسار المعاكس لما ينتهجه أردوغان بحسب رأي معارضيه وهذا ما يحتاج شرحًا طويلًا لن نخوض في تفاصيله هنا.

كما حمل مسلسل "منتصف الليل في بيرا بالاس" إسقاطات سياسية حيث تحمل شخصياته الدرامية بحسب جنسياتها رمزية معينة، فمثلاً الضابط البريطاني جورج نراه في حوار له خلال الحلقة السابعة مع البيلاروسية صونيا التي كانت فتاة ارستقراطية لكنها بعد الحرب العالمية الأولى أصبحت تعمل كنادلة داخل الفندق في تركيا، ويقول لها البريطاني لإقناعها بتدبير مؤامرة "إِن نفّذتِ ما سأطلبه منك أيتها الأميرة الروسية سأجعلك تسترجعين نفوذك ومكانتك في هذا العالم"، ويتابع كلامه قائلاً: "مدينة إسطنبول تصرخ طلبًا للتأثير الحضاري لكن ثمة شيء ينقصها منذ أن أخذها الأتراك من الرومان قبل أربعمئة سنة... سنكون نحن هذا التأثير الحضاري". وبالطبع، لن يغفل المُشاهِد عن المعاني الخفيّة وراء هذا الحوار الدرامي بأبعاده السياسية.

 

الفندق مكان حقيقي يمكنك زيارته!

وقبل الختام، تجب الإشارة إلى أنّ فندق بيرا بالاس هو مكان حقيقي يقع في Beyoglu داخل اسطنبول وتأسّس عام 1892 على يد المهندس المعماري الفرنسي العثماني ألكسندر فالوري،وهو ذات الفندق الذي تحدّث عنه المؤلّف والمؤرّخ الأميركي Charles King في كتابه Midnight at the Pera Palace: The Birth of Modern Istanbul.