كيف تطوّرت "الدراما الواقعية" في الأعمال العربية وصولاً لمسلسلات رمضان 2018؟!

7:00
01-06-2018
أميرة عباس
كيف تطوّرت "الدراما الواقعية" في الأعمال العربية وصولاً لمسلسلات رمضان 2018؟!

تتعدّد القصص الدرامية التي نُشاهِدها عبر الشاشة الفضية خلال الموسم الرمضاني الراهن إذ تتنوّع المسلسلات ومنها ما يُعالِج قضايا من صلب مجتمعنا وواقع حياتنا وأخرى تعتمد على مواضيع من الخيال وغيرها ما يُعيدنا إلى زمن الماضي الذي ولّى! لكن سنحصر موضوعنا حول تطوّر مفهوم "دراما الواقع" وكيفية تناول هذا الواقع في المسلسلات الرمضانية في العصر الحالي.

 

قبل البدء بكتابة البحث الفني التالي، نود التنويه على أنّ هناك مفهوماً خاطئاً لدى البعض الذي يعتقد أنّ الدراما تحمل معنى "المسلسلات" إلا أنه في الحقيقة كل الأعمال التمثيلية من مسرح، أفلام أو مسلسلات كلها تندرج تحت مسمّى "دراما"، وفي بادئ الأمر نُشير إلى أنّ الدراما عامة هي إنعكاس للواقع إلا أنّ هذا المفهوم أخذ وقتاً زمنياً لكي يتطوّر بحسب تطوّر المدارس الفنية بدءاً من المفاهيم التي وضعها أرسطو الذي إعتبر في كتاباته "الإغريقية" بأنّ الدراما مقسمّة إلى تراجيديا وكوميديا، وفي ذاك العصر قديماً إنعكست دراما الواقع على المسرح "أبو الفنون" عبر مسرحيات تحت مسمّى "ملحمة" أشهرها الإلياذة والأوديسة.

 

أما في الزمن الحديث، وُلِدت حركة الأدب الواقعي في الروايات التي إنعكست لاحقاً على الأعمال المسرحية بدايةً منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا حيث إعتمدت هذه الواقعية على مفهوم مفاده أنّ "الواقعية هي إنعكاس للحياة الحقيقية".


وفيما خص الدراما العربية وبدءاً من "أبو الفنون"، لقد شهدت تحوّلات كثيرة للوصول إلى ما يُعرف بنقل "دراما الواقع"، ففي بدايات القرن المنصرم كانت الحركة المسرحية بعيدة عن الواقع العربي لحين أتى -على سبيل المثال- مسرح الراحل نجيب الريحاني ونقل واقع الشارع المصري إلى خشبة المسرح بطريقة الكوميديا السوداء، وتدريجياً إنتقل هذا التطوّر في نقل الواقع إلى الشاشة الذهبية من ثمّ الشاشة الفضية. وبالحديث عن بدايات الحركة الأدبية المصرية الحديثة لا بد من الإشارة إلى أنّ الروائي نعمان عاشور هو الملقّب برائد الدراما الواقعية التي ترجمت لأعمال مسرحية وذلك في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

 

ولن ننسى بعض الأعمال السينمائية في العصر الذهبي التي أتت خير مثال على "الدراما الواقعية" ومنها المقتبسة من نصوص للعباقرة الراحلين احسان عبد القدوس، نجيب محفوظ ويوسف السباعي.

 

وتجلّت "الدراما الواقعية" في الأعمال التلفزيونية خلال زمن التسعينات عبر مسلسلات حُفِرت في ذاكرة الجمهور العربي لأنها نقلت الواقع. وإن إستذكرنا بعض الأعمال الدرامية قبل الوصول إلى الألفية الثانية سنلاحظ أنّ تلك الأعمال المُندرجة تحت قائمة "الدراما الواقعية" كانت للحث على الثورات والإنتفاضة على واقع معاش والتمرد عليه، في ظل أعمال أخرى عكست الواقع في صورة إرتكزت على تمجيد البطل الخيّر لإيصال رسالة للجمهور مفادها أنّ الخير ينتصر والشر في النهاية يخسر، بما في ذلك من صورة توعوية.

 

ووصولاً إلى الألفية الثانية ومع الأعمال الدرامية التي تُعرض راهناً في الموسم الرمضاني فمنها ما ينقل الواقع بأسلوب تراجيدي ومنها بأسلوب كوميدي وتحديداً الكوميديا السوداء. ونستعرض منها ما يلي:

 

من الأعمال التي تعكس صورة الواقع بألامه نذكر مثلاً مسلسل فوضى الذي يُعالج واقع الأحياء العشوائية في دمشق خلال الحرب وما يتبعها من أزمات إجتماعية تتمثّل بالبطالة والفقر إلخ...

 

أما مسلسل الواق واق فهو يرتكز على فكرة واقعية حول هروب المواطن السوري من بلاده بسبب الحرب، وهذه الفكرة تتقاطع مع فكرة مسلسل فوضى إنما أتت المعالجة الدرامية مختلفة بشكل كلي ففي حين يعتمد مسلسل فوضى على نقل الواقع بأسلوب تراجيدي، يأتي مسلسل الواق واق بنمط الكوميديا السوداء الهادفة. ومن هنا نلاحظ أنّ الموسم الرمضاني لعام 2018 نقل هذا الواقع في المجتمع السوري بأسلوبيْن مختلفيْن.

 

وبالحديث عن الدراما الواقعية في هذا الموسم، يُعتبر مسلسل "روزانا" من أكثر المسلسلات الواقعية التي إختارت الحديث عن تبعات الحرب إنما حصرتها في مدينة واحدة ألا وهي "حلب".

 

أما بالنسبة للدراما المصرية، لقد عكست الواقع بعدة أوجه عبر بعض أعمال هذا الموسم، على سبيل المثال نذكر مسلسل "عوالم خفية" الذي يُعالج الفساد في المجتمع ضمن قالب من الغموض وفي الوقت عينه يُسلّط الضوء على أهمية دور الإعلام كسلطة رابعة في التخلّص من هذا الفساد والتأثير على الرأي العام. أيضاً مسلسل "ضد مجهول" عكس واقع الجرائم التي تشهدها المجتمعات خاصة جرائم الإغتصاب التي تتزايد نسبتها بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة. كما عالج مسلسل "بالحجم العائلي" آفة إجتماعية حيث عكس ظاهرة التفكك الأسري بعد إزدياد نسب الطلاق في المجتمعات ما ينعكس سلباً على أفراد العائلة لكن إختار هذا العمل معالجة الواقع بنفحة من الكوميديا.

 

أيضاً أتى مسلسل "طريق" الذي نعتقد بأنه يتمحور فقط حول قصة عاطفية بين البطلين، إنما هو في الحقيقة ينقل واقع إجتماعي موجود في كل زمان ومكان ألا وهو "صراع العقل والقلب"، التفاوت الطبقي، الفقر ....

 

ولن ننسى أنّ هناك عدداً من مسلسلات "دراما الواقع" التي تُسلّط الضوء على ظاهرة الإرهاب في مجتمعاتنا والتي سنعالجها لاحقاً بشكل منفصل.

 

كذلك الأمر بالنسبة لدراما الواقع في المسلسلات الخليجية فمنها ما إختار العودة بنا إلى الماضي لمعالجة الواقع مثلما هو الحال في مسلسل العاصوف.

 

وهناك مسلسلات أخرى إختارت نقل الواقع الذي تعيشه بعض المناطق لتعالج قضايا إجتماعية وإنسانية، مثل قضية الثأر التي نشاهدها في عدة مسلسلات منها الهيبة، طايع وحتى المسلسل الكوميدي "الوصية" الذي سلّط الضوء في حلقته الرابعة عشر على هذه القضية.

 

وفي الأعمال الآنف ذكرها، منها ما تقاطع معالجتها الدرامية بين الواقع والخيال حين إختار المؤلف الدرامي معالجة قصص من الواقع مع خلق شخصيات، ومكان وزمان إفتراضي من نسيج خياله.

 

وفي الختام، نُشير إلى أنّ "دراما الواقع" اليوم لا تشبه مثيلتها في الأعمال الدرامية السابقة، فمن ناحية تختلف معالجتها وتحث المُشاهِد على التفكير مليّاً لتحليل مجرياتها لكي يرتقي من فكرة أنّ "الجمهور هو المتلقّي الذي يتقبّل أي شيء يُشاهِده" إنما أصبح بمثابة ناقد ومنتقد وله وجهة نظر خاصة في كيفية نقل هذا الواقع إلى الدراما، وهذا ما يُحمِّل صنّاع المسلسلات مسؤولية كبيرة في حفاظ الفن على رسالته التوعوية لإرضاء المُشاهِد من ناحية، وإقناعه من ناحية أخرى من ثمّ توجيه تلك الرسالة. ومن هنا يُطرح التساؤل حول الهدف من مسلسلات "الدراما الواقعية"، هل هو بهدف نقل العنف كما هو بما فيه من فساد (عوالم خفية)، إرهاب (أبو عمر المصري وكلبش)، جرائم (ضد مجهول)، سلاح متفلّت (الهيبة)، أم هل يكون هدفه توعية أفراد المجتمع في كيفية التخلص من هذه الظواهر والآفات أو فقط عدم الإنجراف ورائِها؟!