في الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت...الحقيقة مُغيَّبة والدّمار أصاب الوطن حجراً وبشراً!

12:15
04-08-2021
أميرة عباس
في الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت...الحقيقة مُغيَّبة والدّمار أصاب الوطن حجراً وبشراً!

4 آب/ أغسطس 2020، كان يوماً عادياً كسائر الأيام لدى اللبنانيّين لحين دقّت الساعة السادسة وثماني دقائق مساءاً ووقع الإنفجار المشؤوم... لم يُدرك اللبنانيّون حينها ما الذي جرى خاصة أنّنا إعتدنا على الإنفجارات والإغتيالات، فللوهلة الأولى إعتقد كثيرون أنّ ثمّة إنفجار ضخم جرّاء عملية إغتيال أو ما شابه، إلّا أنّنا إكتشفنا بعد بعض الوقت أنّ هناك إنفجار وقع داخل مرفأ بيروت دمّر العاصمة حجراً وبشراً!

 سنة مرّت! 

اليوم تحلّ الذكرى السنوية الأولى على الإنفجار الذي يُشكِّل وصمة عار في تاريخ حكّام هذا البلد المُنهك "أصلاً" قبل وقوع الإنفجار إذ يقف الشعب اللبناني بالمرصاد في وجه هذه الطبقة السياسيّة "الشيطانية" منذ يوم السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ، فهو اليوم الذي نزل فيه اللبنانيون إلى الشارع إحتجاجاً على الوضع المزري في البلاد جراء الفساد المستشري والغلاء المعيشي حيث بدأت تعلو منذ ذاك اليوم أصوات المواطنين الذين يُطالبون بنموذج لدولة قانون ولبناء مشروع وطني بعيد عن الطائفية ومع تغيير كافة الوجوه السياسية الحالية تحت شعار "كلّن يعني كلّن"، لكن سرعان ما حاول البعض إجهاض هذه الثورة بوضع إستثناءات لهذا الزعيم أو ذاك، وما زالت محاولات إشعال فتيل الثورة مجدداً قائمة -لغاية كتابة هذه السطور- بهدف نجاحها في تبديل النظام السياسي ورموزه في لبنان.

 

العاصمة ما زالت منكوبة!

مع كل النكبات التي عانى منها لبنان وشعبه، عداك عن الأزمات الصحية والإقتصادية التي خلّفها وباء كورونا عالمياً، وقع هذا الإنفجار الأليم ليقضي على ما تبقّى من لبنان، فَلم تنتهِ الأحداث المأساوية التي يشهدها لبنان طيلة هذه السنوات بل وصلت ذروتها مع الإنفجار الذي أدْمى عاصمته يوم الرابع من شهر آب/ أغسطس عام 2020 حيث إندلع حريق هائل في مرفأ بيروت جراء انفجار 2750 طن من مادة نترات الأمونيوم التي كانت مخزّنة في المرفأ. وبناء على بيانات وزارة الصحة اللبنانية بلغ عدد الوفيات 204، أما الإصابات فبلغ عددها 6500 حالة، ناهيْك عن المفقودين والدمار الهائل. وما زالت التحقيقات قائمة في حيثيات هذه القضية مع محاولة تغييب الأدلة والشهود حيث توصف بأنها أكبر جريمة فساد وإهمال إداري أدّى إلى هذا الإنفجار الدموي الذي صُنّف عالمياً برابع أضخم إنفجار عالمي -غير نووي- حتى أُعلن عن بيروت "عاصمة منكوبة".

 

أين العدل والعدالة؟! 

سنة تمر ونحن نتساءل "أين العدل والعدالة؟!" في هذا البلد الذي يلهث أنفاسه بروح عجوز ويرثيه شعبه بالنشيد الذي كنّا نردّده في صغرنا "لبنان الأخضر مالو شو اللي غيّر أحوالو؟! يا ربي ترجع لبنان بلد الإلفة والإيمان ويرجع احسن من ما كان بلد الحب والسلام ". وما زال الوضع يزداد سوءاً مع افتقاد الشعب اللبناني لكل مقوّمات الحياة في ظل التشرذم السياسي الذي يُنهِك البلاد أكثر وأكثر. لكن لا بد من أن يبقى اللبنانيون واقفون بعزّة وكرامة كي لا تذهب دماء الضحايا سُدىً بل يجب علينا التحلي بالأمل من أجل تحسين وضع بلادنا.

 

إعادة إعمار المرفأ والهدف جيوسياسي

لا يمكننا الحديث عن ذكرى مرور سنة على هذا الإنفجار دون التطرّق إلى موضوع أهمية المرفأ وإعادة إعماره، إذ يعد مرفأ بيروت ضمن أفضل عشر مرافئ في البحر الأبيض المتوسط ويعتبر بوابة إلى الشرق الأوسط حيث تم تحويل المرفأ من خلال التمويل الذاتي من مرفأ محلي إلى مرفأ إقليمي ومركز لإعادة الشحن في المنطقة، ويقع مرفأ بيروت عند تقاطع خط الطول 35 درجة و57 دقيقة شرقاً وخط العرض 35 درجة و15 دقيقة شمالاً ويشكل مركز إلتقاء للقارات الثلاث : القارة العجوز أوروبا، آسيا، وإفريقيا، وهذا ما جعل منه ممراً لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب . وخلال السبعينات من القرن العشرين كان مرفأ بيروت أهم محطة للتجارة الدولية مع الدول العربية المحيطة وهو ما زال حتى اليوم يحتفظ بهذه الميزة التجارية.

أما بالنسبة لمسألة إعادة إعماره، فهي تُشكّل أولويةٌ بالنسبة للبنان، لأنه بوابة الدخول الرئيسية للواردات، التي تعتمد عليها البلاد إلى حد كبير. وقدّر البنك الدولي بالفعل حجم الخسائر الاقتصادية في قطاع النقل وأنشطة الميناء بحوالي 580 مليون إلى 710 مليون دولار أمريكي، بخلاف تكلفة إعادة الإعمار.وفي أعقاب الانفجار، عرضت العديد من الدولة مقترحات لإعادة بناء ميناء بيروت، وبالطبع هذه المساعدات ليست بمثابة "هِبة" إنما لأغراض جيوسياسية حيث ستفرض الدول المُساعِدة نفوذها في الداخل اللبناني وتضع شروطاً تخدم سياساتها الإقليمية والدولية مقابل المِنح المالية، وبما أنّ الدولة اللبنانية عاجزة عن إعادة إعمار المرفأ، يبقى هنا الحل الأمثل عبر مساهمة الشركات الأجنبية من خلال إعادة إعمارها للمرفأ، حيث أنها تقوم بإستثماره، أي سيكون هناك نوع من شراكة بين القطاعين العام والخاص، وعند تشغيل المرفأ تحصل على الأموال التي قد سبق ودفعتها في عملية إعادة الإعمار.

هذا بالطبع مرتبط إرتباطاً وثيقاً بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ومن ثمّ ننتقل إلى مرحلة ثقة الدول الكبرى بها كي تؤمّن هذه المساعدات خاصة أنّ المطلوب من الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي هو تأمين مساعدات مادية من الخارج بسبب الأزمة المالية الكبرى في لبنان وليس فقط من أجل بناء مرفأ بيروت.

في سياق متصل نشير إلى أنّ مسألة إعادة إعمار المرفأ ما زالت قائمة وأحدث ما جرى في هذا الإطار، هو إنعقاد إجتماع  خلال الشهر المنصرم للمجموعة الاستشارية الخاصة بالإصلاح وإعادة الاعمار، وتضم المجموعة الحكومة اللبنانية، الأمم المتحدة، والإتحاد الاوروبي، البنك الدولي، الدول المانحة، وممثلين عن المجتمع المدني، وتهدف الى متابعة التقدم والتوجيه الاستراتيجي للاصلاحات والنشاطات بهدف إعادة الإعمار.

في ذات الإطار، ننوّه بأنّ فريق هندسي فلسطيني كان قد نجح منذ أيام معدودة في الفوز بالمركز الأول ضمن مسابقة دولية لتصميم وإعادة إعمار مرفأ بيروت، متفوقاً على فريقين روسي (المركز الثاني) وإيطالي (المركز الثالث) وهم خريجي قسم الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، ولقد أطلقوا على مشروعهم إسم "بيروت المُنتجة ما بعد الإنفجار"، لكن لم يحصل هؤلاء المهندسون الفلسطينيون على أي وعود حاسمة من بلديّة بيروت لتنفيذ هذا التصميم، وهم يضعون أملهم في أن تُسهم الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية في دعم تنفيذ هذا المشروع.

عدالة الأرض أم السماء؟! 

في الختام، ومع الذكرى السنوية الأولى لليوم المشؤوم 4 آب، هل ستتحقّق عدالة الأرض أم سنبقى منتظرين عدالة السماء كي يتحاكم جميع المتورّطين في هذه الجريمة النكراء، وهل سينهض لبنان مجدداً من أزمته أم أنّه سيخرج من وصاية ليدخل زمن وصاية جديدة ندرك بطلها ونجهل مصيرها؟!