بين التراجيديا والكوميديا، فيلم "كذبة بيضا" ينقل مشاكل المجتمع اللبناني بأسلوب جديد!

11:00
28-03-2018
أميرة عباس
بين التراجيديا والكوميديا، فيلم "كذبة بيضا" ينقل مشاكل المجتمع اللبناني بأسلوب جديد!

أُقيم يوم أمس العرض الخاص لإطلاق فيلم "كذبة بيضا" رسمياً في دور العرض السينمائية بحضور نخبة من أهل الصحافة والفنانين إلى جانب أبطال وصنّاع فيلم كذبة بيضا: طوني عيسى، جيسي عبدو، وسام صباغ، بيار جمجيان، بيار شمعون، ختام اللحام، ناظم عيسى، انطوانيت عقيقي، بونيتا سعادة، كريستيان الزغبي، القديرة وفاء طربيه، مؤلفة العمل كلود صليبا، مخرج العمل نبيل لبّس ومنتج العمل وصاحب شركة إيغل فيلم السيد جمال سنان. وبعد فعاليات السجادة الحمراء، دخل الحضور إلى قاعات السينما لمُشاهدة فيلم كذبة بيضا للمرة الأولى، وتأتي قراءتنا للفيلم على النحو الآتي:

بين التراجيديا والكوميديا أتت قصة فيلم "كذبة بيضا" لنقل بعض المشاكل الإجتماعية التي تتغلغل في المجتمع اللبناني.

ففي بادئ الأمر قد نعتقد أننا سندخل لنُشاهد فيلماً لبنانياً عائلياً تدور قصته في قالب كوميدي محض لكن مع تطوّر سياق الأحداث وتصاعدها نتعمّق أكثر في قصة فيلم "كذبة بيضا" التي تلامس عدة مشاكل أنهَكَت وما زالت تُنهِك مجتمعنا المحلّي. 

نستمع في أوّل مشاهد هذا الفيلم لأغنية الفنان رضا "غمرتيني بلطفك" التي تُعرَف بإسم "من بكرا بيبعت الله" لنكتشف لاحقاً الهدف الذي يكمن وراء إختيار صنّاع العمل في هذا المشهد لهذه الأغنية تحديداً التي تتمحور حول الفقر المتجسّد بقلّة المال لكنه ممزوجاً بالغنى أي غنى الرضى بنعمة الله علينا. وكذلك تبدأ قصة الفيلم مع بطله "عمر" الذي يُقدّم دوره الممثل طوني عيسى فيدور الحوار بينه وصديقه "أبو النمور" الذي يلعب دوره الممثل وسام صباغ، ويأتي الحوار بأسلوب كوميدي ليعكس معاناتهما من الفقر. 

"عمر" حالته تشبه حالة العديد من الشباب حيث يضطر للعمل بما يسمى "بالفاعل" لكي يؤمّن لقمة العيش لعائلته والدواء لوالدته المريضة التي تلعب دورها الممثلة ختام اللحام أما والده في الفيلم فهو والده في الواقع الممثل ناظم عيسى. يبقى الغموض مُحاطاً في قصة عمر وسبب مأساة عائلته ليُرافِق المَشاهِد، وهذا ما إعتمدته الكاتبة كلود صليبا كي تحافظ على عنصر التشويق فيبقى لدى المُشاهِد فضولاً كي يعرف المزيد من تفاصيل قصة البطل، وذلك لحين يتعرّف عمر على صبية جميلة إسمها "ميرا" ألا وهي الممثلة جيسي عبدو التي تتقاسم البطولة مع عيسى.

أما لقاء تعارفهما فلم يكن عادياً إنما أتى بعد شجارٍ دار بين عمر وشاب حاول إزعاج تلك الصبية الجميلة فهبّت النخوة داخل عمر لمساعدتها وهي بدورها تنبهر به وتحاول التواصل معه من خلال صديقه المقرّب "أبو النمور" أي وسام صباغ الذي يدّعي بأن عمر مهندساً له شأنه ونفوذه المهني والمادي. ومن هنا تبدأ الكذبة فتتصاعد الأحداث.

مع بداية هذه الكذبة قد نتعاطف مع ميرا ضد عمر لكن فيما بعد نشعر العكس فنتعاطف مع هذا الشاب الذي وقع ضحيةً للمجتمع. فهذا الفيلم يمرّر عدة رسائل من خلال قصة حب البطليْن. ونستشف ذلك مع مشهد الذُروة في الفيلم أي حينما يتواجه البطلان فيحاول عمر الدفاع عن نفسه وتبرير سبب كذبته لنكتشف أنه يعيش معاناة هي من صلب واقع مجتمعنا، فوالده ووالدته تزوّجا وهما من ديانتيْن مختلفتيْن وهذا ما رفضته عائلة والده فحُرِم من ميراثه العائلي في ظل عدم حماية القانون له، كما ضحّى عمر بمصاريف إستكمال دراسته الجامعية من أجل تعليم شقيقه الأصغر الذي توفّي بسبب رصاصة طائشة أوْدت بحياته. وهذا ما يعكس صورة معاناة عدّة عائلات لبنانية بالفعل إلى جانب مشاكل تفصيلية لكنها رئيسية يعيشها عدداً ليس بقليل من اللبنانيين مثل عدم القدرة على تأمين الدواء لكبار السن في ظل غياب ضمان الشيخوخة وصعوبة التعامل مع مريض الزهايمر وهو الدور الذي ،تُجسّده القديرة وفاء طربيه كإمرأة مُسنّة تُعاني من هذا المرض حتى أنّ الفيلم يتناول هوس أحد شخصياته ألا وهو أبو النمور بإقتطاع أوراق اللوتو أو اليانصيب اللبناني للتخلص من الفقر والديون وهذا ما يُذكّرنا بجملة لبنانية بحت يردّدها معظم اللبنانيين حينما يقولون :"آخ لو ربحتلّي شي ورقة يانصيب...!"

واللافت أنّ هذا الفيلم لم يتناول قصة الفتاة الأرستقراطية أي "ميرا" بصورة الفتاة المتطلّبة والمغرورة مثلما نشاهد في معظم الأعمال التمثيلية إنّما عكست قصة الفيلم معاناة بعض أفراد الطبقة الغنية أيضاً حيث تُجسّد جيسي دور فتاة ثرية أفلَسَت عائلتها وحُرِمت من سعادتها بسبب فرض شقيقتها عليها بالزواج من شاب غني رغم أنها لا تحبه. ومع ذلك بقيت هذه الفتاة تُحافظ على المبادئ والأخلاقيات بالتواضع والبساطة.

والمُميّز أنّ فيلم كذبة بيضا طرح كل تلك المشاكل بنفحة كوميدية تجلّت في عدة مشاهد خاصة مع الدور الذي أدّاه الممثل وسام صبّاغ الذي يضيف هذه النكهة في معظم الأعمال التي يشارك فيها وذلك إلى جانب باقي الممثلين مثل بيار جمجيان، بيار شمعون، انطوانيت عقيقي، بونيتا سعادة، كريستيان الزغبي.

ومن أقوى المشاهد التي لا بد من التطرق لها مع التصفيق الحار هو مشهد تراجيدي للممثل طوني عيسى حينما يتلقى خبر بيْع منزل عائلته من ثم وفاة أحد شخصيات الفيلم بجرعة زائدة من المخدرات، فإستطاع طوني تجسيد حالة الحزن بكافة حذافيرها فلم يكتف ببعض قطرات الدموع على وجنتيْه وما شابه إنّما إعتمد على لغة جسد كاملة للتعبير عن مشاعره بطريقة حقيقية.

وإكتمل هذا الفيلم من ناحية القصة وأداء الممثلين إلى جانب الإخراج الذي تولّاه المخرج نبيل لبس، ولن ننسى التعقيب على الموسيقى التصويرية في الفيلم التي كرّست تلك المؤثرات السمعيّة لنعيش مع القصة.

وأخيراً نُشير إلى أنّ فيلم "كذبة بيضا" هو فيلم لبناني ناجح وجديد ينضم لقائمة الأعمال السينمائية لشركة "إيغل فيلم" لصاحبها المنتج السيّد جمال سنان. وتُرفَع القبّعة لهذه الشركة المُنتجة التي تتولى على عاتقها إنتاج عدة أفلام لبنانية في العام الواحد وهذا ما يُثمِر السينما اللبنانية رغم كل العوائق المحيطة بها على أمل أن نصل في يوماً ما إلى مرحلة الصناعة السينمائية!