"قيد مجهول"...محاولة استرجاع أمجاد الدراما السورية برؤية جديدة

14:15
07-04-2021
أميرة عباس
"قيد مجهول"...محاولة استرجاع أمجاد الدراما السورية برؤية جديدة

"قيد مجهول" هو المسلسل السوري الذي بدأ عرضه منذ حوالي الأسبوعيْن عبر شاشة OSN، من بطولة باسل خياط وعبد المنعم عمايري، ويُشاركهما هذا العمل عدد من نجوم الدراما السورية أمثال: فايز قزق، جرجس جبارة، نظلي الروّاس، هيا مرعشلي وغيرهم، وهو من تأليف محمد أبو لبن ولواء يازجي، إخراج السدير مسعود وإنتاج I Production لصاحبها محمد مشيش في أولى تجاربه الدرامية السورية، وذلك بعد نجاحاته في المسلسلات المصرية والعربية المشتركة.

إرتكز الترويج لهذا العمل على نقطة رئيسية مفادها "دراما سورية سورية" أو دراما سورية بحت، فإنهالت تعليقات روّاد منصات التواصل الاجتماعي معبّرين عن مدى حماستهم لمشاهدة دراما سورية وسط العديد من الأعمال الدرامية "التجارية" فقط، وبالفعل، بعيداً عن العنصرية الهوجاء التي إنتقلت من المعترك السياسي إلى الفن، لا بد من الإعتراف بأنّ الجمهور العربي يشعر بنوستالجيا لهذه الدراما حيث يشتاق لمشاهدة مسلسلات سورية تعيد إلى ذهنه ما ترسّخ من أعمال في ذاكرة الجمهور العربي حينما كان لا يُقيّد المنتِج سوى العناصر الدرامية لتقديم أعمال سورية مُشرّفة، هذا إن إستثنينا عنصر التدخّلات الخارجية التي تُمارسها السلطة على صنّاع الدراما.

وبما أنّ الحملة الترويجية لِمسلسل "قيد مجهول" إرتكزت على العامل العاطفي لدى الجمهور العربي عامة والسوري خاصة في إعتبار صنّاعه بأنّهم يُقدّمون عملاً درامياً سورياً- سورياً، نقف هنا لنتساءل عمّا لو كان بالفعل إستطاع هذا المسلسل استرجاع أمجاد الدراما السورية، وبمشاهدة العمل المذكور نُقرّ بأنّه قدّم مادة درامية سورية مكتملة العناصر لضمان نجاحها حتى لو لم نستطع مقارنتها بالمسلسلات السورية التي عهدناها في زمان غير هذا الزمان، وهذا ليس تقليلاً من شأن العمل إنّما لنقول بأنّ صنّاع "قيد مجهول" سعوا جاهدين لِتقديم مسلسل سوري برؤية جديدة لا تشبه سائر الأعمال.

في تعداد عناصره الدرامية نشير إلى أنّ قصته تُصنّف تحت خانة مسلسلات عالم الجريمة والإثارة ما يحمل الغموض في أحداثه للبحث عن قاتل متسلسل، وهو ما إعتدنا مشاهدته في الدراما الأجنبية التلفزيونية والسينمائية مع بعض المحاولات العربية. في هذا الإطار، إستطاع مسلسل "قيد مجهول" دمج عدة أنمطة درامية في قصته من الأنمطة الستة والثلاثين للتيمة الدرامية المعروفة، فهو يندرج تحت نمط الجريمة Crime، نمط الملاحقة Pursuit ونمط التوسّل أو المساعدة Supplication، وهذا ما أغنى أحداثه وسرّع وتيرتها.

أما حواره فأتى بسيطاً ورغم إنتقاد البعض لهذا الأمر لكنّنا نُبرّره بأنّه لربّما الهدف منه جعل الحوار أقرب إلى الواقع العربي المُعاش دون فلسفته.وبالنسبة لكاستينغ العمل، فقد تمّ إختيار الشخصيات الدرامية بعناية وإستطاعت كل شخصية تأدية دورها كأنّ البطولة موكلة إليها. لكن كلمة حق تُقال بأنّ الممثل عبد المنعم عمايري-الأستاذ الجامعي الذي تتلمذ على يده عدد من الممثلين- جسّد شخصية سمير في هذا العمل ببراعة توصف بالأداء السهل الممتنع حيث كرّس جميع أدواته كممثل وكافة عناصره الفيزيولوجية، السيكولوجية والسوسيولوجية لإقناع المُشاهِد بهذه الشخصية لرجل ضعيف لكنه يُعاني من أزمة نفسية حادة تجعله يتورّط في العديد من الجرائم (رغم أنّ المُشاهِد لن يكتشف ذلك في بادئ الأمر)، وهنا نستطيع القول بأنّ عمايري هو "أستاذ" بكل ما في الكلمة من معنى، فلقد شكّل البطولة الحقيقية في العمل رغم أنّه -وبحسب لغة المنتجين في سوق الدراما- لقد رُوِّج لهذا المسلسل عبر إسم الممثل باسل خياط الذي وقع في فخ الأداء المسرحي المبالغ فيه مجدداً في مسلسل "قيد مجهول".

بينما بالنسبة للعنصر الإخراجي في المسلسل المذكور، فنُثني على الرؤية الإخراجية للمخرج السدير مسعود الذي خرج من العباءة التقليدية للمخرجين حتى في تحديد كادراته وإلتقاط زوايا تصوير مشاهده خاصة في التصوير الخارجي لإخفاء المكان الحقيقي لتصوير المسلسل داخل لبنان وإبراز الشوارع كأنها داخل سوريا، ومن الواضح كيفية محاولة المخرج وفريق العمل خلق مكان يشبه الواقع الذي يستعرضه من خلال تفاصيل صغيرة بعيداً عن عنصر الإبهار بضخامة الإنتاج، وكل تلك العناصر تأتي بما يتناسب مع متطلبات الدراما الحديثة التي تُعرض عبر منصات الانترنت. كما من الواضح براعة مسعود في الإدارة الإخراجية، وهو ما يُبشّر بمخرج سوري من العيار الثقيل إن أتيحت له الإمكانيات الإنتاجية.

في الختام، نود الإشارة إلى أنّ مسلسل "قيد مجهول" كسب الرهان قبيْل إزدحام الشاشة الفضية بالمسلسلات العربية خلال الموسم الرمضاني الذي تفصلنا عنه أياماً معدودة.