الثورة اللبنانية بعد أكثر من شهر:صوت الشعب مسموع وتطوّرات المنطقة ترسم خارطة "جيوسياسيّة" جديدة

14:00
18-11-2019
أميرة عباس
الثورة اللبنانية بعد أكثر من شهر:صوت الشعب مسموع وتطوّرات المنطقة ترسم خارطة "جيوسياسيّة" جديدة

مرّ أكثر من شهر على إنطلاق الثورة اللبنانية التي إرتسمت في خطّها العريض تحت عنوان "المطالب المعيشيّة المُحِقَّة"، وهنا سنضع قراءة بانوراميّة مشهديّة لهذه الثورة في يومها الثالث والثلاثين ضمن أربع نقاط رئيسيّة.

الثورة معركة وجودِيّة من خلال التمرّد

يقول الفيلسوف والأديب الفرنسي ألبير كامو في كتابه L’Homme révolté:"أنا أثور إذن أنا موجود"، وذلك على نسق القاعدة الديكارتية الخالدة لصاحبها الفيلسوف والعالِم رينيه ديكارت:"أنا أفكّر إذن أنا موجود"، من هذا المنطلق، لقد خاض الشعب اللبناني من خلال الثورة اللبنانية معركة وجوديّة أمام فساد السلطة إذ أكّدت ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر على أنّ الشعب اللبناني له وجود قوي وصوته مسموع لا بد من الإصغاء إليه في حين كان ذلك ليس في الحسبان لدى الطبقة الحاكمة قبل الثورة.
لذلك، نستطيع الجَزْم بأنّ الثورة اللبنانية أثبتَت نجاحها بعد كل هذه الأيّام في معركتها الوجودية.

الثورة اللبنانية تدخل في دائرة المحور الإقليمي الجديد

لا نستطيع قراءة بانوراما الثورة اللبنانية بِمعزلٍ عمّا يجري من تطوّرات إقليمية ودولية، فما يحدث في لبنان بالتزامن مع الثورة العراقية والعصيان المدني في الشارع الإيراني ينعكس بشكلٍ أو بآخر على تغييرات في المحور الإقليمي. وهنا يجب التذكير -ولو بإيجاز- بالتحوّلات في هذا المحوَر لِخَلْق ما يُعرَف بالشرق الأوسط الجديد منذ سنوات بعيدة، فمثلاً شكّل سقوط الإتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة محوراً إقليمياً جديداً منذ عام 1990 تزامن مع توحيد اليمن آنذاك وإنتهاء الحرب العراقية الإيرانية مع دخول المنطقة العربية في عملية التسوية مع إسرائيل حين شاركت معظم الدول العربية في مؤتمر مدريد للسلام (1991) الذي تلاه توقيع منظمة التحرير (1993).
بعد ذلك وتحديداً عام 2001 تَحوَّل هذا المحور إلى آخر تمثّل بما يُعرف بمحور الإعتدال مُقابِل محور المُمانعة، ثمّ أتى الربيع العربي في عدد من الدول العربية، واليوم يتم تشكيل خارطة "جيوسياسيّة" جديدة لِتبديل موازين القوى في المحور الإقليمي الشرق أوسطي، وهذا ما يتمثّل في مشهد أساسي Master seen ضمن الثورة اللبنانية للضغط على إحدى الأطراف الرئيسية في هذا المِحوَر كي ينجح التشكيل الإقليمي الحديث وصولاً للشرق الأوسط الجديد المُسمّى بعبارة New Middle East. وهذا المصطلح كانت قد أطلقته للمرة الأولى بشكل علني وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في شهر حزيران/ يونيو عام 2006، ولم تتوانَ حينها رايس عن القول بأنّ لبنان سوف يُشكِّل نقطة الضغط الأساسية لإعادة تنظيم وترتيب الإصطفافات في الشرق الأوسط.

كل هذه المعطيات نلمسها اليوم على أرض الواقع في لبنان وبلدان المنطقة لتُشير إلى أنّ الخريطة ترسم خطوطها لِولادة الشرق الأوسط الجديد مع تبدّل موازين القوى في المحور الإقليمي.

الثورة تخلق ذاكرة جماعية بيضاء للأجيال القادمة

من جانب آخر، نشير إلى أنّ كل شعب لديه ذاكرة جماعية، والمقصود بعبارة "الذاكرة الجماعية" هي جُملة من الأفكار والمبادئ والرؤى التي تترسّخ في ذاكرة شعب معيّن نتيجة ما رسمه الماضي في ذهنه، هذا المفهوم كان قد شرحه الفيسلوف والرائد في علم الإجتماع موريس هالبواش خلال القرن المنصرم، وإن أردنا تلخيص الإبستمولوجيا والفينومينولوجيا الخاصة بالذاكرة الجماعية لدى الشعب اللبناني -للأسف- سنجدها محصورة بذاكرة "الحرب الأهلية اللبنانية" وما شابهها من صراعات في لبنان على مرور الزمن.
أما الثورة التي وُلِدت يوم السابع عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر في جميع المناطق اللبنانية، خَلَقت معها حاضراً سيتحوّل إلى ماضي يُشكِّل ذاكرة جماعية بيضاء للأجيال القادمة، وهي بمثابة نقيض للذاكرة الجماعية المُترسِّخة في ذهن الشعب اللبناني راهناً، لأنّ الثورة صنعت تاريخاً جديداً كلّه إنتصارات وآمال لِمستقبل واعد.

هل تنجح الثورات بلا دماء؟!

النقطة الأخيرة التي يجب تسليط الضوء عليها بعد مرور أكثر من شهر على الثورة تكمن في التساؤل عمّا لو كانت الثورات تنجح بلا دماء... فَمُنذ بداية الثورة، إستشهد ثلاث مواطنين خلال مشاركتهم في الثورة ألا وهم: حسن العطار، يوسف الحسن وعلاء أبو فخر، فالثورات لا تنجح بلا دماء وتضحيات، ولعلّ الثورة الأنجح في الزمن القريب هي الثورة الأوكرانية التي حقّقت إنتصارها وأسقطت رئيسها فيكتور يانوكوفيتش خلال خمسة أيام فقط حيث إمتدت منذ الثامن عشر من شهر شباط/ فبراير لغاية الثالث والعشرين من الشهر عيْنه عام 2014، لكن في المقابل قدّمت هذه الثورة كي تنجح إثنيْ وثمانين شهيداً ثائراً.
وبالنسبة للثورة اللبنانية فهي ما زالت في أوجّها ولن يذهب دماء شهدائها هدراً أو سُدًى إنما ستبقى الثورة مُتّخذة منحناها التصعيدي حتى تُخلِّص لبنان من الطاعون الذي فَتَك بجسده جرّاء الفساد المستشري في البلاد.