"للموت2"... فخر الصناعة اللبنانية في رمضان 2022

9:19
02-05-2022
أميرة عباس
"للموت2"... فخر الصناعة اللبنانية في رمضان 2022

"لا فرق بين الحب والكراهية كلاهما نار .. كلاهما اهتمام شديد وارتباط حار بين قلبيْن"، هذا ما يقوله الكاتب والفيلسوف والطبيب المصري الراحل د.مصطفى محمود. وهذا أيضًا ما نستشفه من مسلسل "للموت" بجزئه الثاني حيث أثبت نظرية أنّه "بين الحب والكره شعرة أو خيط رفيع" والكراهية بعد الحب تُولّد الانتقام، لكن يعود ويطغى جانب الخير على الشر في أغلب الأحيان عند "الناس الطيبين من جوّا" حينما يكون الحب حقيقيًا.

"ما في شي رح يبقى متل ما كان"... هكذا تمّ الترويج للجزء الثاني من مسلسل "للموت" وبالفعل مع انتهائه، انقلبت أحداثه رأسًا على عقب حيث أتت النهاية بشكل مختلف تمامًا عن "قفلة" أحداث الجزء الأول منه، إذ كان قد عُرض الجزء الأول من هذا العمل خلال رمضان 2021، وهو من بطولة ماغي بو غصن، دانييلا رحمة، باسم مغنية، محمد الأحمد، وخالد القيش الذي غاب عن جزئه الجديد، فيما انضمت الممثلة اللبنانية ليليان نمري للجزء الثاني. كما شارك فيه عدد من نجوم الدراما أمثال: بديع أبو شقرا، رندة كعدي، أحمد الزين، فادي أبي سمرا، وسام صباغ، كارول عبود، ختام اللحام، ريان حركة وغيرهم، وهو من تأليف نادين جابر، إخراج فيليب أسمر وإنتاج Eagle Films لصاحبها السيّد جمال سنّان.

في تفاصيل جزئه الثاني، نشير إلى أنّ بطلة العمل سحر (ماغي بو غصن) كانت قد ظهرت على إحدى الملصقات الترويجية للمسلسل وهي تمسك بسلاح، وهذا ما تُرجم في تطوّر الاحداث الدرامية حينما قررت سحر الانتقام لمقتل حبيبها "أمير" (بديع أبو شقرا) حتى من أعز الناس و"عشرة العمر" أي "عمر" (باسم مغنية) و"ريم أو وجدان" (دانييلا رحمة) التي نكتشف لاحقًا أنّها تسبّبت بوفاة والدة سحر، فتأرجحت مشاعر الصداقة الوطيدة بين الحب والكره من جهة، الانتقام والتسامح من جهة أخرى... وفي النهاية وقعت الخواتيم الحزينة مثلما كنّا توقّعنا بإحتماليْن، إما أن تأتي النهاية بآفاق مفتوحة، أو تكون النهاية تراجيدية، فيموت الأبطال ليبقوا مع بعضهم البعض فعلًا "للموت"، وهذا ما حصل في الحلقة الأخيرة التي عُرضت أمس. ورغم إنتقاد البعض لهذه النهاية، إلّا أنها مُقنِعة.

في سياق متصل، لقد طرح هذا الجزء الواقع كما هو دون عمليات تجميل، فرأينا صراع البشر بين الخير والشر، الحب والكره، الأبيض والأسود، وهذا ما انعكس على أداء جميع شخصياته الدرامية التي أتقنت اللعبة الدرامية جيدًا حتى أنهم شكّلوا -مع سائر صناع العمل- حديثًا لرواد الانترنت بعد عرض كل حلقة.
فنرى سحر المتخبّطة في تناقضات مشاعرها، هي إنسانة مثالية أمام وعودها لِمن تحب وبقدر ما تحب تعطي كل ما لديها لأبعد الحدود، لكن ما أن تُجرَح تَجرَح وتنتقم، ثم تعود لإنسانيتها ما أن ترى "ريم" مذلولة أمامها فتطلب منها الوقوف وتعود لأحضانها حتى الموت، وما أن ترى "عمر" محروقًا ومعذّبًا، تنسى كل أذيّته لها فتغدرها دموعها وتحاول تقبيله، كل هذه التخبّطات جسّدتها الممثلة ماغي بو غصن في شخصية درامية مركّبة ومعقّدة تحتاج لتركيز كبير لم يفلت من يد ماغي بتاتًا، إنما سحرت سحر متابعيها حتى الرمق الأخير من هذه الشخصية.
أما دانييلا رحمة، تلك الفتاة الجميلة، أثبتت مجدّدًا أنّها ممثلة "شغّيلة" ولا تعتمد على جمالها إنما اجتهدت ودرست زوايا شخصيتها "ريم" بحرفية ودقة حتى أقنعتنا بأنّها الصديقة التي تعاني من تأنيب الضمير تجاه سحر، والحبيبة التعيسة أمام هادي، والأم المحرومة من أمومتها أمام لميس، ولميس التي تؤدي دورها الممثلة الصاعدة ريان حركة، استطاعت أن تخترق مساحة خاصة بها في هذا العمل كي تثبت أنّها ستصبح في المستقبل القريب ممثلة "من العيار التقيل".

فيما خص شخصية "عُمر" التي يُجسّدها الممثل باسم مغنية، فليس الأمر جديدًا على باسم بأن يبهرنا ويحبس أنفاسنا، هو ذاك المغروم بوجدان منذ الطفولة، هو اللص الذي لم يقترف ذنبًا إنما أثقلت الحياة همومها على كتفيْه، فكان ضحية مجتمع جعل منه شابًا يتعاطى المخدرات والكحول ويسرق وينهب كلّما لاءمته الظروف. وحينما عاد من الموت محروقًا، أقنعنا لدرجة الشفقة على حاله وكأنه شخصًا حقيقيًا من لحم ودم وليس مجرد شخصية "على ورق".

وبالنسبة لشخصية هادي التي قدّمها الممثل السوري محمد الأحمد، لقد أتت مختلفة في هذا الجزء، فهو كان الضحية في الموسم الأول، أما في الجزء الثاني، فاكتشفنا حقيقته بأنّه يترأّس عصابة لتجارة الاسلحة. وارتكز أداءه في هذا الجزء على الانفعالات المتأرجحة بين شخص قوي وضعيف بسبب حبّه الكبير لريم ومعاناته، لذا لاحظنا مدى محاولة التركيز على ملامح وجهه ونظرات عينيْه كأدوات رئيسية لأداء هذه الشخصية.

وسائر الشخصيات في هذا العمل، وتحديدًا أبناء الحي الشعبي، لقد شكّل كل ممثل/ة منهم بطل في دوره بحد ذاته، نذكر منهم الممثلة القديرة رندة كعدي بدور حنان وهي الأم العطوف على كل من حولها، وبدور عبد الله ابن البلد أحمد الزين وهو مريض ألزهايمر الذي يسترجع أمجاد لبنان في حقبة من الماضي، والحب الاستثنائي بينهما يشبه حب أهالينا. وبدور محمود، الممثل وسام صبّاغ الذي جسّد ألم الشاب اللبناني، و"ريمونا" (دجى حجازي) التي تضطر العمل كراقصة من أجل قوت العيش لكنها تفقد أولادها في حريق بسبب شمعة داخل المنزل-وكم تشبه قصتها قصص شعب هذا البلد الحزين- وثنائية أمين (فادي أبي سمرا) و"سارية" (كارول عبود) وهما وصوليّان وماديّان لأقصى الحدود. وبالحديث عن الثنائيات، لا بد من الإشادة بثنائية كاتبة العمل نادين جابر ومخرجه فيليب أسمر والنجاح ثالثهما.

كما نُصفّق لكاتبة العمل لأنّها قدّمت مادة درامية تعكس الواقع اللبناني بسوداوية مأساته حيث نستطيع تصنيف هذا العمل تحت خانة "الدراما الواقعية" إذ لمسنا كل ما نعيشه في يوميات المواطن اللبناني من انقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولّد، أزمة البنزين، انتشار التسوّل وظاهرة عمالة الاطفال....

كما من اللافت أنّ هذا العمل لم يقع في فخ المماطلة الدرامية التي عادةً ما تُصيب الأجزاء الجديدة من المسلسلات، إنما استطاع الحفاظ على مسار تصاعدي بحبكة درامية تشد المُشاهِد بين المشهد والآخر ومع كل حلقة تلو الأخرى. ولقد استطاعت كاميرا المخرج فيليب أسمر ترجمة الورق عبر الشاشة الصغيرة بأفضل صورة حيّة جعلت المُشاهِد يعيش كافة تفاصيل القصة بتشويق كبير.

ومع إنتهاء الموسم الدرامي لرمضان 2022، أصبح بإمكاننا القول بأنّ مسلسل "للموت" هو فخر الصناعة اللبنانية في عالم الدراما التلفزيونية حيث تُرفع القبّعة لكل صنّاع وفنّاني وطاقم هذا العمل.