يتطلّب الطلاق شجاعة متناهية من الزوجة المعذّبة حتى تصل لقناعة مفادها أنّ "الطلاق خلاص وليس قصاص" رغم كل ما تواجهه من ظلم حتى بعد طلاقها بسبب عدم إنصاف القانون لحقوقها، وحول هذه الفكرة تتمحور أحداث المسلسل الآنف ذكره، وهو من بطولة نيلي كريم، تأليف د.إبراهيم عيسى، إخراج محمد العدل وإنتاج شركة العدل جروب، ويشارك فيه عدد من نجوم الدراما المصرية بجانب نيلي كريم أبرزهم: شريف سلامة، محمد الشرنوبي، هالة صدقي، فادية عبد الغني، محمد ثروت، خالد سرحان وغيرهم.

ويُعد مسلسل "فاتن أمل حربي" من أهم الأعمال الدرامية المصرية خلال هذا الموسم، إذ أحدث تفاعلًا كبيرًا بين الجمهور بما عكسه من صورة للمرأة التي تعاني من مشاكل الزواج، الطلاق وما بعد هذا الطلاق حين تتزوّج المحكمة!

وفي تفاصيله، تعاني فاتن (نيلي كريم) من ظلم طليقها (شريف سلامة) لها حيث يرفض الالتزام بالمصاريف المالية كدفع الأقساط المدرسية لإبنتيْهما، ويسعى لحرمانها من حضانتهما، فتلجأ للقضاء والشرع، لكنها تواجه ظلم المجتمع الذكوري الذي رسم القانون والفقه الديني على مقياسه متجاهلًا في معظم الأحيان حقوق المرأة.

ولعلّ المشهد الأهم في هذا العمل والذي نوصّفه بعبارة "ماستر سين" هو ذاك المشهد حين ذهبت البطلة للشيخ كي تسأله عما لو كان هناك آية قرآنية ورد فيها حكمًا دينيًا بحرمان المرأة المطلّقة من حضانة أولادها في حال تزوّجت مرة أخرى، فنفى ذلك منوّهًا بأنّ القرآن لم يذكر ذلك لكن هذا الأمر يُعد حكمًا فقهيًا، لتعارض فاتن كلام الشيخ قائلة "الله رحيم ولن يقبل بهذا الظلم".
كما نرى فاتن في مشهد آخر وهي تصرخ أمام هيئة المحكمة بسبب القانون المجحف بحق المرأة وقالت:"أنا سأرفع دعوى ضد قانون الأحوال الشخصية"، وبذلك حاولت فاتن تسليط الضوء على موضوع شائك في المجتمع المصري وبعض المجتمعات العربية، فكانت صوت حال النساء لتصل قضيّتهنَّ لأعلى السلطات، لذلك اتسمت شخصية فاتن باللسان السليط لكن "على الحق وللحق" دون ضعف، مثلما تُغنّي النجمة المصرية أنغام في تتر هذا العمل من كلمات د. مدحت العدل "أنا مش ضعيفة".

وقد يعتبر البعض أنّ موضوع الطلاق هو مادة درامية دسمة سبقت معالجتها في عدد من الأفلام وأهمها "أريد حلًا"، لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، الذي يُعد أول فيلم عربي حاول الكشف عن الثغرات التي يحتويها قانون الأحوال الشخصية في مصر وساهم في تغييره. هذا الفيلم الذي أُنتج عام 1975هو عن قصة الكاتبة الصحفية حُسن شاه، وإخراج سعيد مرزوق، ولقد أثّر هذا العمل السينمائي على الرأي العام في تناوله قضية الخُلع إذ وجّه الفيلم نقدًا لاذعًا لقوانين الزواج والطلاق في مصر. كما نشير إلى أنّه عقب عرض الفيلم، وجهت السيدة جيهان السادات زوجة رئيس الجمهورية آنذاك، اهتمامًا لإستصدار قانون للأحوال الشخصية لمعالجة ثغرات القانون الموجود وقتها، حتى أنه بسبب فرط اهتمام السيدة الأولى به، سُمي بـ "قانون جيهان"، وصدر بالفعل قانون 44 لعام 1979، لكن سرعان ما انتهى العمل به بعد أن ألغته المحكمة الدستورية العليا فى عام 1985، إلى أن صدر قانون الخلع فيما بعد.
"كما نستذكر فيلم "عفواً أيها القانون" للمخرجة إيناس الدغيدي الذي تناول مسألة التفرقة بين الرجل والمرأة في أحكام قضايا الشرف حيث يعرض الفيلم قصة هدى (نجلاء فتحي) الزوجة التي تساند زوجها (محمود عبد العزيز) حتى يتمكن من العلاج بعد إصابته بالعجز الجنسي، وبالفعل يُشفى بعد سنوات ثم تكتشف خيانته لها على سريرهما، فتطلق عليه الرصاص، ويتم الحكم عليها بخمسة عشر عاماً رغم أن القانون يخفف العقوبة على الرجل. وهو من تأليف إبراهيم الموجي وإنتاج عام 1985.

أما اليوم مع عام 2022، عالج مسلسل "أمل فاتن حربي" موضوع الطلاق من زاوية درامية مختلفة، خاصة موضوع حضانة الأم لأولادها بعد الطلاق في حال تزوّجت مرة أخرى، كما نستذكر ما ورد في الحلقة الثامنة والعشرين بلسان المستشار عدلي وهو يقرأ مسودة الطعن بقانون الاحوال الشخصية منوّهًا بأنّ بعض مواده ليست مأخوذة من الشريعة الاسلامية إنما هي مجرّد آراء فقهية، لذلك يمكن تعديلها بما ينصف المرأة عامة والمُطلّقة خاصة. وهذا ما يطرح تساؤلات عمّا لو كان القضاء المصري سيعيد النظر بالقوانين بعد عرض هذا المسلسل.

إلى جانب كل ما ورد ذكره، لا بد من التطرق إلى بعض العناصر الدرامية الأخرى الملازمة لفكرة المسلسل وقصته، فمثلًا كان من اللافت جدًا عدم إعتماد بطلة العمل على "الماكياج" إنما كرّست العنصر الفيزيولوجي للشخصية بمظهر خارجي بسيط يُقنع المُشاهِد بأنها امرأة منهكة من هذه الظروف الصعبة، وعلينا الإشادة أيضًا بطريقة التصوير، والإضاءة الخافتة مع الألوان المعتمدة في هذا العمل، إضافة إلى حسن الادارة الاخراجية التي تختصر كل هذه العناصر وغيرها كي يخرج العمل بهذه الصورة المتكاملة والتي تحترم عقل المُشاهِد، ولن ننسى أيضًا الأدوار المُساندة للبطلة ضمن "كاست" موفّق في اختياره بشكل احترافي.

وبناءًا على ذلك، لن نبالغ إن قلنا أنّ مسلسل "فاتن أمل حربي" هو أبرز الأعمال العربية التي تصدّرت الشاشة الفضية في رمضان 2022.