"جوقة عزيزة" مادة درامية فريدة من نوعها في رمضان 2022!

13:00
02-05-2022
أميرة عباس
"جوقة عزيزة" مادة درامية فريدة من نوعها في رمضان 2022!

"جوقة عزيزة" هو مسلسل مميّز شاهدناه في الموسم الرمضاني لعام 2022. يحمل العمل هذا الإسم لأنّ بطلته الممثلة نسرين طافش تُجسّد فيه شخصية عزيزة خانم الملقّبة بملكة المسرح حيث برعت في الغناء و الرقص والتمثيل وكانت اول إمرأة تؤسّس مسرحًا للفنون باسمها تمتعت بشخصية قيادية وخفيفة الظل وذكاء أنثوي فريد جعلها تتمتع بكاريزما لا تقاوم وشهرة ونجاح كبير. ولقد أتى هذا العمل في عباءة غير تقليدية لأعمال البيئة الشامية حيث انطلقت القصة مع عزيزة في "شارع المرقص" لتعكس نشأة الفن بشكله الحديث في بلادنا في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات. كما ظهرت عدة شخصيات درامية من صلب المجتمع بين رجال الأمن والمخابرات والفنانين والطبقة الشعبية.

وإلى جانب نسرين، جمع هذا العمل نخبة من نجوم الدراما أبرزهم: سلّوم حداد، أيمن رضا، خالد القيش، هبة نور، وسام حنا، نورا رحال، إيمان عبد العزيز ، يحيى بيازي، كرم الشعراني، حسام تحسين بك، سعد مينة، وفاء موصللي، يزن خليل، روبين عيسى، رنا العظم، زينة بارافي، يزن السيد، غنوة محمود، سليم صبري، عدنان أبو الشامات... وهو من تأليف، سيناريو وحوار خلدون قتلان وإخراج تامر إسحق، وانتاج شركة غولدن لاين. أما الاستعراضات فتولى إخراجها اللبناني عادل سرحان.

في تفاصيل العمل، حرص الكاتب خلدون قتلان على أن يحمل المسلسل أبعادًا عديدة منها فنية وأخرى سياسية.
على الصعيد الفني، نستطيع اعتبار هذا العمل بمثابة توثيق تاريخي لإنطلاقة الفن العربي بشكله الحديث، وهذا ما يُعيد لأذهاننا فرقة الفنان أبي خليل القباني (1833/ 1903) الذي هو أول مَن أسّس المسرح العربي في دمشق خلال القرن التاسع عشر، ومن شدّة شهرة فرقته، أمره حاكم مصر الخديوي إسماعيل بالسفر إلى شيكاغو من أجل إقامة عروضات فنية هناك فَراحت الصحافة الأميركية حينذاك تكتب عن الإبهار الفني لهذه الفرقة، والمقالات الأميركية المكتوبة هي المرجع الموثوق عن هذه الرحلة لأعضاء الفرقة المذكورة. وهنا ننوّه بأنّ القباني هو صاحب أغنية "يا طيرة طيري يا حمامة" التي ما زلنا نردّدها لغاية اليوم، وقد غنّاها تيمّناً بالفنانة طيرة حين طلب منها السفر من القاهرة إلى الشام قبل أن يعود ويُغنّيها عدد من الفنانين وأبرزهم العملاق الراحل صباح فخري. ونشير إلى أنّ القبّاني أثّر بشكل كبير على انطلاقة الفن العربي والمسرح الاستعراضي بشكله الحديث، مثلما كان للموسيقار الراحل سيّد درويش تأثيرًا كبيرًا على النقلة النوعية للموسيقى العربية، وهنا نشير إلى أنّ الرابط بين الفنان أبي خليل القبّاني وسيّد درويش رغم فارق السن بينهما هو الموسيقي الكردي الملّا عثمان الموصلي الذي أتى إلى دمشق (مسقط رأس القباني كما أقام فيها سيّد درويش لمدة ثلاث سنوات)، حيث تلقّى الراحليْن أي القبّاني وسيد درويش التعاليم الموسيقية على يد الموصلي فتأثّرا معاً بهذا اللون الموسيقي وخُلِق هذا التبادل الفني.

أما على الصعيد السياسي، لقد عكس المسلسل دور الفن الكفاحي والثورة على الانتداب والامبريالية (التوسّع الاستعماري) الذي كان سائدًا في ذاك العصر، إذ نرى بطلة العمل المدافعة عن هوية الأرض واستقلالها، كما نرى شخصية "حمدي حمّيها" وهو يأخذ بالثأر من أجل أبناء وطنه وأوّلهم الفنانة بقلاوة التي قُتلت غدرًا بامر من الضابط الفرنسي، إذ تطرق العمل إلى اغتيالات الفنانات اللاتي يتعاطيْن في الشأن السياسي بمساندة المخابرات ضمن مؤامرات سياسية.
أيضًا أشار المسلسل في حلقاته إلى مقتل الراحل فوزي الغزي الملقّب بفتى الشام و"أبو الدستور" الذي وضع دستورًا لسوريا حينذاك وحاز على شعبية كبيرة من مناهضي الانتداب الاستعماري.

من الأمور اللافتة أيضًا، ما حمله مسلسل "جوقة عزيزة" من نفحة كوميدية "سلسة" في حواره، كما حرص على تقديم استعراضات وأغنيات من ذاك الزمن بمؤثرات بصرية ساعدت المُشاهِد للانتقال إلى تلك الحقبة، فالأزياء والديكور شكّلا عنصرًا رئيسيًا في هذا المسلسل.
وبالحديث عن الاغنيات، لقد تنوّعت الاعمال الغنائية في هذا العمل بين الطرب، الشعبي، والطقطوقة لتحاكي ذاك العصر، ويجب أن ننوّه هنا بأنّ العديد من أغنيات تلك الحقبة توارثتها الأجيال اللاحقة وفي كثير من الأحيان ضاعت هوية مغنيها أو موطنها الأصلي.
ومن الاغنيات الخاصة بالعمل، طُرحت أغنية "طبلة" بصوت سلوم حداد بشخصية "حمدي حميها" ورقص هبة نور بدور "منيرة فرفش معنا" مع دخول كرم الشعراني بشخصية "عزمي نسوان" إلى الاستعراض من خلال ارتدائه بدلة رقص شرقي وتقديمه لوحة راقصة كاملة.
والأغنية التي تنتمي لفئة الأغاني الناقدة والساخرة من كلمات كاتب العمل خلدون قتلان وألحان إياد الريماوي، وجاء فيها: "يبعتلو حمى ورصاصة متصدر أبو النقاصة لك الصبي عندي رقاصة بس بيرقص عالتمام طبلة طبلة طبلة الناس بترقص عالطبلة كلو صاير بهلوان وكلو بيرقص عالحبلة...".
ونشير إلى أنّ معاني هذه الأغنية تنطبق على ما يحصل اليوم في زماننا المعاصر خاصة مع ما بات يُعرف "بالترند" حيث كثر عدد "البهلوانات" الذين يرقصون على الحبل ويصبحون حديث الناس و"ترند"!

أما فيما خص شخصياته الدرامية، ننوّه بأنّ المبالغة التي اتسم بها أداء الممثلين في "جوقة عزيزة" هو أمرًا مطلوبًا في هذه النوعية الفريدة من الأعمال التلفزيونية.
ولا بد من الاشارة إلى مدى الجرأة التي ظهرت فيها تلك الشخصيات بشكل بعيد عن الابتذال أو خدش الحياء، فمثلًا تطلّبت شخصية "حمدي حمّيها" شجاعة فنية من الممثل السوري القدير سلوم حداد لتجسيد شخصية ضابط الايقاع "الطبّال" أو كما نقول في بلاد الشام "المطبّلاتي"، وأتقن حداد دوره أشد الاتقان خاصة حينما جسّد ألمه في يده حيث تألق حدّاد في مشهد أُصيب خلاله بنوبة عصبية حادّة أدّت إلى ارتعاش وحركات لا إرادية في يده اليمنى التي يستخدمها في العزف على الطبلة، فخاض صراعاً معها وهو يصرخ: "شاكلها جنّي"، وبذلك أمسك بجميع زوايا هذه الشخصية بشكل مدروس.
ورغم أنّ شخصية "العالِمة" لطالما شاهدناها في الأفلام والمسلسلات المصرية إلّا أنّها بطلة جديدة على المسلسلات الشامية حيث ظهرت بطابعها الخاص بعيدًا عن الاستنساخ في "جوقة عزيزة"، رغم أنّ "القاهرة" وفنّها كان لها حيّزًا في بعض الحوارات بين عزيزة وشخصيات العمل.

في الختام، لقد قدّم لنا مسلسل "جوقة عزيزة" مادة درامية فريدة من نوعها في رمضان 2022 حيث لا ينافسها في هذا الموسم أي عمل آخر.