بعدما جُدِّدت بصوت هبة طوجي، هل أغنية "طلعت يا محلا نورها" عراقية الأصل قبل فيروز وسيّد درويش؟!

9:00
31-05-2020
أميرة عباس
بعدما جُدِّدت بصوت هبة طوجي، هل أغنية "طلعت يا محلا نورها" عراقية الأصل قبل فيروز وسيّد درويش؟!

قدّمت الفنانة اللبنانية هبة طوجي منذ أيام معدودة نسخة جديدة من أغنية "طلعت يا محلا نورها" حيث تولّى الموسيقي اللبناني أسامة الرحباني مهمة إنتاجها وتوزيعها بشكل موسيقي أوركسترالي ضخم ومختلف عن كل النسخ الغنائية التي سبق تقديمها لهذا العمل، ومن المعروف أنّ هذه الأغنية سبق وقدّمتها سفيرتنا إلى النجوم فيروز من كلمات وألحان الراحل سيّد درويش، لكن هل تعلم أنّ بعض المؤرّخين الموسيقيّين يُقِرّون بأنّ هذه الأغنية الشهيرة هي في الأصل فلكلور عراقي؟!

تقول كلمات هذه الأغنية:"طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة يلله بنا نملا ونحلب لبن الجاموسة"، ويشير مؤرّخي الموسيقى والغناء إلى أنها من تلحين الموسيقار الكردي الراحل الملّا عثمان الموصلي. أما كلماتها الأصلية فتقول: "طلعت على شط دجلة والغربي نسم والموج ينادي أهله وعليها سلم جمالها يزيل العلة وللعاشك بلسم طلعت علينا يا ربي شمس الشموسة".

كما يقول مؤرّخون آخرون بأنّ أصل هذه الأغنية هي فلكلور عراقي وتحديداً من البصرة (جنوب العراق)، وأوّل مَن غنّتها هي الفنانة السورية "طيرة الحلبيّة" خلال حفل أقيم في مجلس الشيخ خزعل الكعبي (أمير المحمرة) حيث كانت قد أقامت طيرة في البصرة بضع سنوات، وتعلّمت فلكور تلك البلاد. ثمّ إنتقلت هذه الأغنية مع الفنانة طيرة إلى بلاد الشام حيث سافر سيّد درويش إلى سوريا مع جوق موسيقي، فإستمع إلى النسخة الأصلية من هذه الأغنية بعدها بدّل كلماتها إلى اللهجة المصرية بالنسخة المتداولة اليوم.

أما في حال التمعُّن أكثر في المعلومات المُتبايِنة التي يفيدنا بها المؤرّخون الموسيقيّون حول أغنية "طلعت يا محلا نورها"، فسنكتشف مثلاً بناءاً على تواريخ ميلاد الفنانين الآنف ذكرهم مدى منطقيّة تلك المعلومات، إذ يتبيّن لنا أنّ سيّد درويش الذي وُلِد عام 1892 وتوفّي سنة 1923، هو بالفعل أصغر سنّاً من الفنانة طيرة المذكورة أعلاه، وهذه الفنانة هي مغنية وراقصة وممثلة يهودية دمشقية تدعى أستيرا حنائيل الحكيم، وتنقّلت بين عدة دول عربية وأجنبية حتى إنتشرت أغنيات بصوتها فهي تُعد من أشهر فنانات فرقة الفنان أبي خليل القباني (1833/ 1903) الذي هو أول مَن أسّس المسرح العربي في دمشق خلال القرن التاسع عشر، ومن شدّة شهرة فرقته، أمره حاكم مصر الخديوي إسماعيل بالسفر إلى شيكاغو من أجل إقامة عروضات فنية هناك فَراحت الصحافة الأميركية حينذاك تكتب عن الإبهار الفني لهذه الفرقة، والمقالات الأميركية المكتوبة هي المرجع الموثوق عن هذه الرحلة لأعضاء الفرقة المذكورة. وهنا ننوّه بأنّ القباني هو صاحب أغنية "يا طيرة طيري يا حمامة" وقد غنّاها تيمّناً بالفنانة طيرة حين طلب منها السفر من القاهرة إلى الشام قبل أن يعود ويُغنّيها عدد من الفنانين وأبرزهم العملاق صباح فخري.

فضلاً عن ذلك، نشير إلى أنّ الرابط الإضافي بين الفنان أبي خليل القبّاني وسيّد درويش رغم فارق السن بينهما هو الموسيقي الكردي الملّا عثمان الموصلي الذي أتى إلى دمشق (مسقط رأس القباني كما أقام فيها سيّد درويش لمدة ثلاث سنوات)، حيث تلقّى الراحليْن أي القبّاني وسيد درويش التعاليم الموسيقية على يد الموصلي فتأثّرا معاً بهذا اللون الموسيقي وخُلِق هذا التبادل الفني.

في الختام لا بد من الإشارة إلى أنّ هوية وأصل العديد من أغنياتنا بالأخص الفلكلورية "تائهة" وكأنها مكتومة القيد بسبب عوامل سياسية وجغرافية سادت في البلاد فأُخِذت وإقتُبِست ذات الألحان لكنّها تغنّت بكلمات ولهجات متعددة، وتحديداً لِما وصل إلى جيلنا من أغنيات تعود إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، فنتساءل مثلاً ما إذا كان أصل هذه الأغنية أو تلك أو غيرها هي لبنانية، سورية، عراقية، مصرية إلخ... ورغم كل المعلومات المتضاربة تبقى المكتبة الموسيقية العربية غنيّة بأعمال تحمل سرّاً بإبداعها الفني الذي جعلها تعيش لسنوات طويلة وتنتقل من جيل إلى آخر عبر السنوات والقرون!